يُحْكَى أَنْ تُعْبَانًا ضَخْمًا مِنَ الثعَابِينِ المُزَرْكَشَةِ كَبُرَ سنُهُ، وَقَلَّتْ حِيلَتُهُ، وَذَهَبَتْ قُوَّتُهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ صَيْدًا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَوْفِيرِ طَعَامِهِ، وَأَنَّهُ يَتَلَمَّسُ شَيْئاً سَهْلاً يَعِيشُ عَلَيْهِ بَيْنَ الأَشْجَارِ وَالْمُسْتَنْقَعَاتِ الْمُجَاوِرَةِ.
حَتَّى وَصَلَ إِلَى عَيْنٍ كَثِيرَةِ الضَّفَادِعِ، قَدْ كَانَ يَأْتِيهَا قَبْلَ ذَلكَ، فَيَصْطَادُ مِنْ ضَفَادِعِهَا مَا يَكْفِيهِ لِقُوتِ يَوْمِهِ، فَتَذَكَّرَ
أَيَّامَ شَبَابِهِ وَقُوَّتِهِ، وَأَيَّامَ كَانَ
يَفْتِكُ بِضَفَادِعِهَا. فألقى بنَفْسَهُ أمامهن مُظهراً لِلْكَابَةِ والعجز والْحُزْن؟
فَقَالَ لَهُ ضِفْدَعْ كَانَ بِالجِوَارِ: مَالِي أَرَاكَ أَيُّهَا الأَسَدُ كَئِيباً حَزيناً ؟ فَقَالَ الْمُزَرْكَشُ: وَمَنْ أَكْثَرُ مِنِّي حُزْنًا!
وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ مَعِيشَتِي مِمَّا أُصِيبُ مِنَ الضَّفَادِعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَعِيشُ فِي هَذَا الْمُسْتَنْقَعِ، فَابْتُلِيْتُ بِبَلاءِ حَرَّمَ عَلَيَّ الضَّفَادِعَ …
حَتَّى إِنِّي إِذَا الْتَقَيْتُ بِبَعْضِهَا لا أَقْدِرُ عَلَى اصْطِيَادِهَا وَإِمْسَاكِهَا، فَمَنْ أَعْجَزُ مِنِّي أَيُّهَا الضّفْدَعُ الصَّغِيرُ؟ وَمَنْ أَهْوَنُ عَلَى الْحَيَاةِ مِنِّي؟؟
فَهَلْ لَكَ رَأْي يُخْرِجُنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، وَأَنْجُو مِنَ الهَلَاكِ جُوعًا، وَقَدْ أَعْجَزَنِي
الكِبَرُ وَهَرِمْتُ ؟
انْتَفَضَ الضَّفْدَعُ الصَّغِيرُ بَيْنَ الدَّهْشَةِ مِمَّا سَمِعَ وَالخَوْفِ مِنْ رُؤْيَةِ الشُّعْبَانِ الْمُزَرْكَشِ، وَلِلْحَالَةِ المُرْعِبَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَلِلْحَالِ الَّذِي أَصْبَحَ إِلَيْهِ بَعْدَمَا أَصَابَهُ الهَرَمُ وَالكِبَرُ، وَأَضْعَفَهُ الجُوعُ وَقِلَّةُ الطَّعَامِ، وَ قَدْ تَبَاطَأَتْ حَرَكَاتُهُ، ثُمَّ تَدَارَكَ حَالَةَ الدَّهْشَةِ وَالخَوْفِ الَّتِي أَصَابَتْهُ قَائِلاً: أَنَا لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعِينَكَ، وَلاَ أُشِيرُ عَلَيْكَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَيُّهَا الْمُزَرْكَشُ.
لَكِنْ سَأَنْطَلِقُ مِنْ مَكَانِي هَذَا إِلَى مَلِكِ الضَّفَادِعِ، الَّذِي يَحْكُمُ هَذَا المُسْتَنْقَعِ، وَسَأَقُصُّ عَلَيْهِ حَالَتَكَ لَعَلَّهُ يَجِدُ لَكَ مَخْرَجًا، أَوْ يَرَى لَكَ رَأْيَا يُنْجِيكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ أَيُّهَا الْمُرْعِبُ الضَّعِيفُ !!؟؟
انْطَلَقَ الضَّفْدَعُ الصَّغِيرُ مُسْرِعًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى المَلِكِ فَحَيَّاهُ تَحِيَّةَ الضَّفَادِعِ لِمَلِكِهِمْ، وَهُوَ يَلْهَثْ مِنْ شِدَّةِ الرَّكْضِ وَالنَّطِّ، فَقَالَ لَهُ مَلِكُ الصِّفَادِعِ مَاذَا حَدَثَ ؟ مَا جَرَى لَكَ ؟ قَالَ الضّفْدَعُ الصَّغِيرُ: المُزَرْكَشُ المُزَرْكَشُ يَا مَوْلاَيَ ؟ !!؟؟ قَالَ المَلِكُ : مَا بِهِ الْمُزَرْكَشُ ؟ هَلْ افْتَرَسَ أَحَدَكُمْ ؟ أَمْ مَاذَا حَدَثَ؟
قَالَ الضّفْدَعُ الصَّغِيرُ: كَلاً، كَلاً يَا مَوْلاَيَ بَلْ إِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَأَصْبَحَ يُثِيرُ الشَّفَقَةَ لِمَا أَصْبَحَ عَلَيْهِ حَالُهُ، وَقَدْ أَضَرَّ بِهِ الجُوعُ
فَهَدَّدَ صِحْتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنْهُ الرُّعْبَ
الَّذِي كَانَ يَنْشُرُهُ بَيْنَ أَفْرَادِ رَعِيَّتِكَ في المُسْتَنْقَع.
هُوَ الآنَ يُرِيدُ مُقَابَلَتَكَ لِتَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ، وَتَجِدَ لَهُ حَلاً حَتَّى لاَ يَهْلِكَ جُوعًا، أَوْ يَكُونَ وَجْبَةً لِلْحَيَوَانَات المُفْتَرِسَةِ، فَهَلْ أَدْعُوهُ يَا مَوْلاَيَ لِيَحْضُرَ أَمَامَكَ
صَاغِرًا يَطْلُبُ العَوْنَ مِنْكَ ؟
فَقَالَ المَلِكُ : ادْعُهُ لِيَحْضُرَ
أَمَامَنَا لِنَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ.
حَضَرَ الْمُزَرْكَشُ أَمَامَ المَلِكُ صَاغِرًا مُهَانَّا أَمَامَ مَنْ كَانَ بِالأَمْسِ القَرِيبِ يُطَارِدُهُمْ،
وَهُمْ يَفِرُّونَ مِنْهُ رُعْبًا، لَكِنْ لاَ مَفَرَّ لَهُ مِنْ هَذَا إِنْ كَانَ يُرِيدُ العَيْشَ.
حَيَّا المُزَرْكَشُ المَلِكَ تَحِيَّةَ
الضَّفَادِعِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ المَلِكُ : كَيْفَ كَانَ أَمْرُكَ ؟
قَالَ الْمُزَرْكَشُ: حَيَّاكَ اللَّهُ أَيُّهَا المَلِكُ، وَأَرْجُو أَلاً تُؤَاخِذَنِي بِمَا كَانَ مِنْي مَعَ الضَّفَادِعِ فِيمَا مَضَى، وَتَنْتَقِمَ مِنِّي جَرَّاءَ مَا فَعَلْتُ مَعَهُمْ، لَكِنْ هَذِهِ سُنَّةُ الحَيَاةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَيَاةَ الوَاحِدِ مُرْتَبِطَةً بِمَوْتِ غَيْرِهِ، وَلاَ اعْتِرَاضَ مِنَّا عَلَى إِرَادَةِ الخَالِقِ، فَحَيَاتُكَ أَنْتَ وَبَقِيَّةُ الضَّفَادِعِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَيْدِ الحَشَرَاتِ. وَأَرْجُو مِنْكَ العَوْنَ وَالمُسَاعَدَةَ بَعْدَ الَّذِي حَصَلَ لي.
قَالَ المَلكُ : مَاذَا حَدَثَ لَكَ؟
قَالَ الْمُزَرْكَشُ: سَعَيْتُ مُنْذُ أَيَّامٍ فِي اصْطِيَادِ ضِفْدَعِ مِنَ الضَّفَادِعِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَهَرَبَ مِنِّي وَدَخَلَ إِلَى بَيْتِ رَجُلٍ عَابِدِ لِلَّهِ تَعَالَى…